لا يكاد يمر أسبوع إلا ونجد أنفسنا أسرى ترند جديد بطله أحد الفنانين على أثر تصريحات أطلقها في أحد البرامج الحوارية المنتشرة هذه الأيام، التي تتغذى على إثارة الجدل بطرح أسئلة من شأنها تأجيج الخلافات بين الفنانين أو افتعال أزمات جديدة بينهم.
هذه الأيام يدور الترند حول تصريحات أطلقها المطرب رامي صبري في برنامج «حبر سري» تجاه مطرب الراب ويجز الذي مدح اجتهاده في إنتاج شكل موسيقي جديد ولا مانع لديه من التعاون معه في ديو، لكن العقبة الوحيدة التي لا تزال تقف أمامه هي أنه لا يفهم الكلمات التي يغنيها ويجز.
لم يفوت ويجز الفرصة للرد على رامي صبري وهاجمه بضراوة شديدة حيث ذكر اسمه الأول فقط، وأنه لا يعده من نجوم الصف الأول في سوق البوب التجاري بل رقم 19، وعليه التركيز في نمط الموسيقى الذي يغنيه ويكف عن التنظير والحديث عن الأنماط الموسيقية الأخرى التي لا يفهمها ولن يفهمها، ولا يسخف من المجهودات التي تبذل فيها ويتركها إلى صناعها فهم أقدر على فهمها منه.
استدعى هذا الترند مواجهات بين طرفين، الأول يناصر رامي صبري مفردين بعض الأرقام والإحصائيات التي تنفي ما ذكره ويجز وتفصح عن وجوده بين نجوم الصف الأول في سوق البوب المصري، والثاني يناصر ويجز أغلبهم من جيل Z الذي دائماً ما يتحفز لأي رأي مضاد لأفكاره ورأى في تصريحات رامي صبري تعالياً وفوقية إذ ذكر كلمة «ده» قبل أسماء بعض المطربين مثل «توو ليت، مروان بابلو» رافضين فكرة النصح والإرشاد، التي يمارسها الأجيال الأكبر سناً.
جبهة مناصري رامي صبري كان معيارها الأول في الدفاع عنه أنه لم يهاجم ويجز مطلقاً بل تحدث عنه وعن موسيقاه بشكل جيد ولم يذكر سوى جملة عدم فهمه لما يغنيه وأن رد ويجز حمل تطاولاً على مطرب أكبر منه سناً، وبالتبعية أكثر منه خبرة بعالم الموسيقى، أما الجبهة المضادة فرأت أن الكلام في ظاهره قد لا يشكل أي مشكلة، لكن النوايا الحقيقة تكمن بين السطور، وأن الغرض الحقيقي هو تسخيف وتسطيح ما يقدمه ويجز وجيله لذا استدعى الرد بقوة من ويجز الذي فهم المغزى من وراء تلك الكلمات وليس الكلمات نفسها.
حديث رامي صبري عن موجات الموسيقى الجديدة لم يكن الأول في تلك الحلقة من البرنامج بل سبقه منشور على صفحته الرسمية على موقع الفيس بوك أواخر عام 2019 هاجم فيه الجمهور الذي يفضل الاستماع إلى أغاني المهرجانات ولا يلتفت إلى المجهودات التي يبذلها هو وآخرون «وما ينفعش يبقى الترند مهرجانات»
منشور رامي صبري على موقع «فيس بوك»
ثم في حديث آخر لراديو إينرجي هاجم نفس القالب «المهرجانات» الذي وصفه بـ«الضوضاء» ولا يمكن وضعه تحت أي نوع من الموسيقى من الأساس، ثم تحول إلى قالب «التراب» وأن ما يقدم في مصر لا يمكن تصنيفه بالراب أو التراب ثم ذكر اسم ويجز لأول مرة واصفاً موسيقاه بالمقلدة وأن كلمات أغنياته بلا معنى ولا تحمل أي قيمة فنية، وذيل رأيه بأنه يأتي من شخص متخصص درس التأليف الموسيقي بشكل أكاديمي.
رد ويجز كان منضبطاً بعض الشيء، إذ ذكر أنه لا يفضل الرد على أي انتقادات توجه إليه، ولكن رده جاء من منطلق أنه يعد رامي متخصصاً في الموسيقى، وعليه يجب أن يدرك أن موسيقى البوب المصرية التي ينتمي إليها تسير في فلك «ثلاثة كوردات بالعدد» كناية عن التكرار وقلة الأفكار المطروحة فيها، وأن الهدف الأساسي من الفن هو الإمتاع والترفيه ولا شيء آخر.
رغم انتهاء الخلاف الأول سريعاً لكن يمكن تفسيره على أنه كان نابعاً من غيرة فنية أو «نفسنة» من مطرب يجلس بين نجوم الصف الثاني في سوق البوب المصري ويحاول الدخول إلى صفوة النجوم، وأن الموجات الجديدة من مهرجانات وراب وتراب عطلت من مسيرته كثيراً، إذ احتلت المشهد في ظل ركود أغنية البوب وانصراف الجمهور عنها.
انتهى الخلاف سريعاً ودخل رامي صبري في صراع جديد مع صناع أغنية «شكراً» التي غناها بصوته بعد طرحها بصوت المطرب «عمرو دياب» وفسر رامي ذلك بأنه يملك حقوق الأغنية من البداية، والغريب أن تلك الأغنية تنتمي إلى قالب المهرجانات بشكل أكثر تنسيقاً، التي سبق أن هاجم توغلها في السوق الغنائي.
لم يكتف رامي بذلك بل صنع بعض الأغنيات التي تحاكي نفس أجواء أغاني المهرجانات أو الإليكترو شعبي مثل «ملك الفرفشة، أنا جامد كده كده» وتتبنى نفس المفهوم بالتفاخر بالقوة والعظمة والتحقير من شأن الآخرين.
أعلن رامي صبري خضوعه لتوازنات سوق الغناء، التي أجبرته على محاكاة الأنماط الرائجة في المشهد الموسيقي المصري لإثبات الحضور ليس إلا، ولم تنجح تلك الأغنيات على الإطلاق على العكس من الأغنيات التي تنتمي إلى مشروعه مثل «حياتي مش تمام» التي انتشرت في فترة وباء الكورونا وأغنية «يمكن خير» والتي حققت نجاحاً لافتاً في 2023 وأخيراً أغنية «بين الحيطان» الوحيدة التي «ضربت» من ألبومه الأخير وعندما صدرت قائمة رولينج ستون أفضل 50 أغنية بوب عربية في القرن الـ20 لم تظهر له أي أغنية في حين احتلت أغنية «البخت» لـويجز المركز الـ25
أكثر ما استفز جمهور رامي صبري في رد ويجز كان جزئية الأرقام، وأنه بالكاد يحتل المركز الـ19 بين مطربي فئة البوب المصري، وبدأ الهجوم على ويجز الذي يعاني من ركود في مسيرته الفنية، حيث لم تنجح له أغنية منذ أغنيته «البخت» ناهيك عن اتهامه بترويج إشاعة رفضه إعلان إحدى شركات المياه الغازية بحجة المقاطعة، ثم بدأت المقارنات تعقد بين الثنائي على الأكثر استماعاً على المنصات، وكأن المعيار الوحيد لنجاح أي فنان هو نسبة المشاهدات التي يحققها دون الالتفات إلى مسألة الجودة أو القيمة الفنية للأعمال التي يقدمها وحصر المشاهدات في عدة تطبيقات أو منصات بث الموسيقى مثل «يوتيوب، سبوتيفاي، أنغامي» دون إحصاء حقيقي لكافة المنصات.
مقارنة بين ويجز ورامي صبري المصدر موقع في الفن
كل هذا الأمر جعل الاعتماد يتجه نحو قوائم بيلي بورد عربية كونها الأكثر مصداقية حيث تحصي بشكل موضوعي أكثر الأغنيات استماعاً وأكثر المطربين استماعاً في قوائمها التي تصدر أسبوعياً.
في آخر قائمة صدرت من بيلي بورد عربية أفصحت قائمة 100 فنان عن احتلال رامي للمركز الـ17 وهو نفس المركز الذي احتله الأسبوع الماضي في حين حافظ ويجز على المركز الـ40 في القائمة.
المصدر: بيلي بورد عربية
أما بالنسبة لقائمة أعلى 50 استماعاً فنجد أن أغنية «يمكن خير» لـرامي صبري احتلت المركز الـ 12 في حين احتلت أغنية البخت المركز الـ22.
رغم أن رامي صبري أعلن عبر صفحته عن مبادرة صلح مع ويجز الذي يعتبره مثل أخيه الأصغر، فإن الأخير أعلن بكل سخرية في منشور له عن أنه كيف يقبل الصلح قبل أن يعتذر له ثم تحدث عن السن وأن رامي لا يزال صغيراً وتمنى له التوفيق
منشور ويجز رداً على مصالحة رامي صبري
لا يمكن الزعم بانتهاء الخلاف كلية بين الثنائي رامي صبري وويجز، الذي تحول إلى صراع أجيال تقليدي جداً من جيل ينصب نفسه وصياً على الجيل الأصغر منه الذي بالتبعية يمارس تمرده على الجيل الأقدم منه برفض تلك الوصاية ورفض اتهامه بعدم الموهبة، لكن تلك الأزمة تفصح عن أن آفة الوسط الفني هو الترند الذي يتجدد بصورة شبه يومية ما بين مشادات وزلات لسان وأن البعض أدمن العيش على الترند الذي يبقيه تحت دائرة الضوء وأصبح الفن يأتي في المرتبة الأخيرة من اهتمامات الفنانين المنشغلين بالظهور بداع أو من دون على برامج الإثارة الفنية، التي غالباً لا يتحدثون فيها عن أنفسهم قدر حديثهم عن الآخرين في أسئلة مملة ومكررة وساذجة.
في حين أن الحل هو مقاطعة تلك البرامج التي تعد الفائز الوحيد من خلق تلك الترندات التي تمنحهم مشاهدات أكثر ومقاطع ذات عناوين «حراقة» تتغذى عليها مواقع التواصل الاجتماعي في حين أن الفنان وإن كسب بعضاً من المال بالظهور فيها فلن ينفعه هذا المال حين يخسر الجمهور، ويجد نفسه في مرمى هجوم من جيل أصغر لا يعبأ بفرق السن أو المكانة الفنية.